منوعات

المحتجّون إلى الشارع الأربعاء والمحروقات ستشعل البلد

في ظلّ التّخبط الاقتصادي والسّياسي الذي يمرّ به لبنان، خصوصاً بعد التّعقيدات التي اعترضت عمليّة تشكيل الحكومة، لم يبقَ أمام الدّولة إلّا خيارين وحيدين: إمّا أن تستمرّ بدعم المواد الأساسيّة، وهو ما يعني نفاد الاحتياطي بمصرف لبنان وانهيار كامل للمنظومة الاقتصاديّة، وإمّا رفع الدّعم وهو ما يؤدي إلى انفجار اجتماعي وثورة شعبيّة جارفة.

أمام هذا الواقع المرير ووسط الصّمت المطبق من قبل المسؤولين، الذين يرفضون حتّى الإعلان عن موعد هذا القرار الكارثيّ، وعن تحمّل تبعاته، يتحضّر اللّبنانيون للتّعبير عن رفضهم لأي رفع محتمل للدّعم عن السّلع الأساسية، من خلال أوسع مشاركة دعا إليها الاتّحاد العمّالي العام والهيئات النّقابية، في الإضراب الوطني العامّ، يوم الأربعاء المقبل.

في وقت لا تستبعد أوساط عمّالية ونقابيّة، أن يتزامن هذا الإضراب مع موعد جديد لتفجير الثّورة الشّعبيّة، وعلى نحو غير مسبوق، رفضاً لسياسات تفقير الشّعب وتجويعه، وإدخاله في مرحلة الموت البطيء من قبل الطّبقة الحاكمة الفاسدة والمهترئة.

صرخة احتجاجيّة

وعلى وقع هذه الدّعوة، يقول رئيس الاتّحاد العمّالي العام بشارة الأسمر لـ “أحوال” إنّ الاتّحاد يرفض رفضاً قاطعاً رفع الدّعم، ويدعو اللّبنانيين إلى إضراب وطني عامّ على كافة الأراضي اللّبنانية يوم الأربعاء في 16 كانون الأوّل، كبداية لأوسع تحرّكات سيشهدها البلد ضد رفع الدّعم.

ويشير إلى أنّ الاجتماعات الحكوميّة التي تمّ عقدها في السّراي الحكومي، المرتبطة برفع أو ترشيد الدّعم المتعلّق بالمواد الأساسيّة كالمحروقات والأدوية والطّحين، لم تخرج بنتائج ولا بحلول مقنعة، لذلك قرّرنا رفع الصّوت عالياً.

ويلفت الأسمر إلى أنّ الحكومة لم تتطرّق حتى اليوم إلى موضوع رفع أجور العمّال والموظفين، بل فقط تتحدث عن رفع الدّعم، “وهذا أمر خطير ويضرّ بالقدرة الشرائية للمواطن اللبناني التي هي أصلاً شبه معدومة”.

وفيما يتعلّق بالبطاقة التموينيّة يقول: سيتم تمويل البطاقات التموينيّة من خلال قروض أجنبية وليس هبات، أي أنّنا لا نزال نعمل بسياسة الاقتراض بحيث نبقى في نفس الدّوامة من دون خطة واضحة.

ويتابع، الحلّ في لبنان بيد الطبقة السّياسيّة التي عليها أن تنجز حكومة وتصنع إصلاحات عاجلة ضرورية لإنقاذ الاقتصاد، وإقناع المجتمع الدّولي بالوقوف إلى جانب لبنان ودعم اقتصاده.

وعن الجهات المشاركة في الاضراب، يلفت إلى أنّها ستشمل المصالح المستقلّة، المؤسسات العامّة، الاتّحادات، قطاع النّقل البري، “ودعينا القطاع الصّحي والمستشفيات الحكوميّة.”

ويضيف، كلّ القطاعات والعمّال يمكنهم المشاركة، ولا هدف لدينا بإلحاق الضرر بأعمال ومصالح المواطنين، لذلك ندرس خطواتنا بتأنٍّ وجدّية، داعياً كلّ الجّهات التي تنوي المشاركة، التّواصل مع الاتّحاد لتنظيم نقاط التجمّع التي سيعلن عنها بشكل رسميّ يوم الثّلاثاء.

نقابة السائقين إلى تصعيد

بدوره، يحذّر نقيب السّائقين العموميين مروان فيّاض، حكومة تصريف الأعمال وكل المسؤولين المعنيين، من خطوة رفع الدّعم عن السّلع الأساسيّة، لا سيّما المحروقات لأنّها ستكون انطلاقة الشّرارة لإشعال البلد، وسيكون للسّائقين الدور الأساس في هذه الانطلاقة.

ويؤكد النقيب مشاركة اتّحادات ونقابات قطاع النّقل البري، يوم الأربعاء بالاضراب التّحذيري الذي دعا إليه الاتّحاد العمّالي العامّ.

ويبدو أنّ المحتجّين الغاضبين في لبنان سيعودون ليكونوا أسياد الشّوارع من جديد؛ إذ يقول فياض: سنعود إلى السّاحات والمرافق العامّة لمواصلة المطالبة بحقوقنا؛ وإن لم تستجب الحكومة اللّبنانية لمطالبنا خلال 10 أيام، سنقوم بخطوات تصعيديّة، وسنقطع الطّرقات الرّئيسيّة والأوتوسترادات في كلّ المناطق، وسننصب الخيم في الشّوارع للضغط على هذه الحكومة الفاسدة التي أفقرت الشّعب وجوّعته.

خطوة تحذيريّة للأفران

هذا، ويؤكد مصدر من اتّحاد نقابات المخابز والأفران في لبنان مشاركتهم في الإضراب أيضاً، في ظلّ الظّروف الاقتصاديّة الضّاغطة والوضع النّقدي السّيء الذي يؤثر على عمل المخابز والأفران، وفي وقت يعاني هذا القطاع من مصاعب عديدة متراكمة ناتجة عن قرارات غير مسؤولة اتخذها بعض  المسؤولين.

ويضيف، بدل السّعي الجدّي لاسترجاع الأموال المنهوبة ووضع حدٍّ للفساد المستشري، ها هي حكومتنا تتّجه بإصرار لرفع الدّعم عن الخبز باستناء الخبز العربي، وسترفع الدّعم عن المحروقات بنسبة 40 إلى 60% تمهيداً لرفعه كلياًّ، كما وأنّها سترفع الدّعم عن الدّواء ما يهدّد بكارثة اجتماعيّة.

ويوضح المصدر أنّ الوعود كثيرة ولكن الحلول غير موجودة؛ الأمر الذي سيضاعف مشاكل القطاع ويضعه أمام حائط مسدود لا يمكن اختراقه. لذلك سنقوم بهذه التّظاهرة التحذيرية كخطوة أولى، خصوصاً وأنّ السياسيين والرئيس المكلّف يماطلون بتشكيل الحكومة رغم أنّها الممرّ الوحيد للحصول على أي دعم دولي للبنان.

ضغط على الحكومة

في سياق متّصل، يقول مصدر من نقابة الصّيادلة: في السّابق لم نكن من مؤيّدي مبدأ الاحتجاجات والتّظاهرات، أمّا اليوم ومع تفاقم خطورة الموقف نرى أنّ الحلّ الوحيد هو الضّغط على الحكومة من خلال الشّارع، من أجل إيجاد حلول مناسبة، خصوصاً وأنّ رفع الدّعم يعني عملياً رفع سعر الدواء ستّة أضعاف على الأقل. ويشدّد على أنّ الدّواء خطّ أحمر، ويجب استثناءه من عملية رفع الدّعم كونه يرتبط بحياة النّاس مباشرة.

الثّورة آتية لا محال

يبدو أن التّحضيرات واللّقاءات التّشاورية قائمة تمهيداً لعودة تدريجيّة إلى الشّارع. ويؤكد المحامي علي عبّاس من المرصد الشّعبي لمحاربة الفساد أنّ الحراك لم ينته. ويقول في هذا السياق لـ “أحوال”: الأزمات المتتالية وتعنّت أركان هذه المنظومة الفاسدة وتسلّطهم يزيد من إصرارنا على الاستمرار. ويردف، الثّورة مستمرّة بكل مطالبها السّياسية والقضائيّة، وجوباً لوضع حدٍّ للفساد المستشري ومحاسبة مرتكبي سرقة المال العام، وودائع اللّبنانيين واسترداد الأموال المنهوبة.

ويضيف، حتماً هناك لحظة ثوريّة قريبة جداً ستنفجر في الشّارع من جديد وستكون مفاجئة للجميع.

وفي سؤال عن توقيت هذه اللّحظة يقول، لا يوجد موعد محدد لانفجار الثورة، ولكن هناك يوم سيأتي ويكون شبيه بـ “17 تشرين”، يجسّد العنفوان الوطني الحقيقي لشعب لا يزال سياسيّوه يغرّدون خارج سرب مصلحة البلد، رغم الأزمات كافة التي يتخبّط بها؛ ناهيك عن بوادر حصول إنفجار إجتماعي وشيك على ضوء الوضع الإقتصادي والمالي المتدهور، والتّضخم الحاصل والغلاء غير المسبوق.

ويلفت عبّاس إلى أنّ العمل جارٍ على أكثر من جبهة لتشكيل مجالس ثورية، في مختلف المناطق وتنظيم العمل والرّؤية السّياسية والاقتصادية ضمن إطار جبهة، على أساس الرّؤية والمبادئ التي قامت عليها ثورة “17 تشرين”.

 

ناديا الحلاق

 

 

 

 

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى